Search This Blog

Friday, December 2, 2011

عالم الجذام

توقفت سألت نفسها من تكون تلك العجوز الممدة  قرب المدفأة ؟!! تسائلت كثيرا  قررت الاقتراب قرب المنطقة المحظورة  رويدا ... رويدا بخطوات سريعة تارة و بطيئة تارة أخرى  توقفت أخذت نفسا عميقا قبل أن تمد يداها لتكشف عن  ملامح تلك العجوز المجهولة وبخطفة مرتعشة رفعت الغطاء فاذا بها ترى منظرا ودت من هوله  أن تنشق الأرض وتبتلعها رأت عجوزا مصابة بالجذام و قد ملأ الصديد و الدمامل وجهها بشكل بشع مقزز ابتعدت مسحت يديها بردائها لتريح قلبها الموسوس قليلا ...  وبينما هي تتأمل ذلك المنظر صرخت العجوز بلكنة عجائزية غريبة أن ابتعدي عني و أخذت تأشر بيديها بأن تمضي لأي بقعة بعيدة عنها و تكمل استخفاف عقلها  و رجعت الى قيلولتها مرة ثانية و لكن الفتاة أبت الرحيل و ظلت وافة كالعمود بلا حراك ففضولها يمنعها عن المضي قدما  من دون أخذ تفاصيل تلك العجوز فحين انكشفت الملامح  هرعت الغرائز لكشف المستور ...  العجوز تسترق النظر من بين ثنيات الغطاء لرؤية الفتاة التي  مازالت صامدة رغم ذاك البرود الذي يلف المكان  حينها استفاقت بوقفة معوجة وبظهر مقوس وبهمهمات مستنفرة و نظرة ساخطة  و سحبت غطائها ورائها لترديه  ممدا على الكرسي المهترأ و  صرخت على الفتاة ..ب (نعم  ؟!!) 
ابتسمت الفتاة قليلا لتمحي تلك الملامح المخيفة من وجه العجوز و لكن تجهم الوجه لا يرحل بل ظل مرتسما  بلا جدوى عندها استطردت الفتاة قائلة  بتملق ( سيدتي الجميلة وددت كثيرا أن أكسر جمود قلعتك لأعلم سر تلك الوحدة الغامضة  التي تنزوين فيها ؟؟!)  فضحكت العجوز ضحكة أضحكت دماملها معها و قالت (سيدتي الجميلة !! من ؟؟؟أنا ؟؟!! ) و تحولت تلك الابتسامة الى شكل امرأة حلت عليها اللعنة و احمرت عيناها الجاحظتين وعلا صوتها ( أتستهزأين بي يا صغيرة ؟؟) و مدت يداها لتطبقا بكلتا يداها على تلك الفتاة المسكينة التي أرادت بكلمتها تلك تلطيف الجو لا تعكيره و بنبرة حزينة  مرتعبة قالت الفتاة ( أستميحك عذرا و لكن هذا اسلوبي بالكلام مهما يكن آسفة على ازعاجك سأرحل ) أدارت ظهرها و أخذت معطفها و همت بالرحيل و ما أن أمسكت مقبض الباب حتى نادتها العجوز ( انتظري ... ألا نريدين معرفة سر وحدتي ؟؟ ) رمقتها الفتاة و هزت رأسها بمعنى نعم  .. طلبت العجوز منها الاقتراب  اليها من دون التأمل و النظر الى وجهها  عندها أشاحت بناظريها و ملامحها الى النافذة و قالت ( كنت جميلة كالبدر المكتمل .. صافية كالنهر العذب ... يفوح أريج جمالي  كريحانة  عطرة .. أتباهى بما لدي من جاذبية  و ذات ليلة تاقت نفسي بأن تستنشق عبير النسيم فأخذت بالتسكع في تلك الربوع  الهادئة  التي كانت  تضج بأصوات صراصير الليل معلنة صداقتي  معها عندها قطع  تلك الاصوات أنين متألم ... و نحيب متكرر .. وتوجع متأزم  فتبعت تلك الاصوات و اذا بي أرى امرأة ممدة تفترش الأرض و تلتحف السماء بلا رداء يقيها من ظلم الجو و احتلال الحشرات كان أشبه بمستنقع لتلك الضفادع النكرة و ملجأ لتلك الصراصير النتنة التي تشدوا هي الاخرى بألحان بشعة وسيمفونية ساخطة ونذير شؤم لا ينقطع  توجهت مسرعة  فاذا بي أرى هذا المنظر الذي ترينني فيه الآن امرأة عجوز و قذ غطت الدمامل و الصديد وجهها المتعرج كانت ترمقني لحظتها بنظرة وداع لا محالة أمسكت يدها فأبعدته وقالت (كيف لهذا الجمال ان يشوه ارحلي قبل أن تصابي ..)  و أفلتت يداها لتسقط معلنة صعود روحها و سط تراتيل الضفادع و الصراصير هرعت الى منزلي  باكية لما حل بتلك المجذمة العجوز و غفوت على قطعت رداء من ردائها المبلل و ما أن استفقت من غفوتي  الطويلة حتى بدأ  جلدي يحكني بشدة لم أبالي  فما هذا االشيء الذي سيشوه جمالي اتجهت لغسل وجهي و مازالت قطعة ردائها بيدي رفعت ناظري لأرى وجهي بالمرآة و اسألها (مرآتي الصغيرة من هي أجمل نساء الكون ) و لكن هذه المرة قبل أن أكمل أجابني وجهي بصفعة أفاقتني فقد غزى جانبا من وجهي دمامل صغيرة مولودة  صرخت و بكيت لجأت الى جميع الحكماء ولكن الجواب كان واحدا لا علاج  فقد حكمت محكمة الحياة عليك بالجذام المتنقل لذا يجب أن أنبذ  الى بقعة لا يسكنها انسي و حين أتيت  كنت أنتي أول فتاة أراها تعتلي منصة كوخي فحاولت ابعادك دون لمسي ولكنك أصريتي فأهلا بك في عالم الجذام يا حلوة ) و ابتسمت ابتسامة خبيثة و مسحت على وجه الفتاة  التي ظلت متسمرة  مصدومة مدهوشة لما سمعته فكيف لفضولها بأن يدفع بها الى عالم الجذام  قطع صدمتها صوت تلك العجوز ( لن تكوني وحيدة كما كنت سأكون معك )  بعد مرور أيام تكرر السيناريو نفسه  مع تلك الفتاة الفضولية و تتكررت مشاهد الوداع و الغطاء لتبقى وحيدة  هي الأخرى منتظرة  فضولية أخرى تمسح وجهها لتشاركها حدود حريتها ... ومازالت هي قابعة  ممددة قرب تلك المدفأة مغطاة بذلك الغطاء المجذم ... من ذلك المشهد وددت أن أرسم مشهد من مشاهد حياتنا التي بات الظلم والعنف مرضا ينتشر انتشارا فظيعا لكل من يقربه و يرديه ميتا مفترشا قبرا من صنع يديه  ...

No comments:

Post a Comment